مراياهنّ

"نسيج" تحتفي بالنساء من خلال الفن، من خلال عيون نساء شابات يحاولن بالقلم والريشة واللون حمل رسالة النساء جميعاً، يحاولن أن يكن صدى للأصوات الغائبة، أو الأصوات العالية التي يتم إسكاتها.

منذ أكثر من مئة عام، وبالتحديد منذ ١١٠ أعوام، يعتبر يوم الثامن من آذار رسمياً يوماً للمرأة، تاريخ طويل بدأته نساء من العمال بحركات احتجاجية في مدينة نيويورك الأمريكية. ومن وقتها، وبعناوين وشعارات متجددة، وبدعم من الأمم المتحدة، يتم الاحتفاء بالنساء في هذا اليوم من العام وتسليط الضوء على إنجازاتهن.

“نسيج” هذا العام سوف تحتفي بالنساء من خلال الفن، من خلال عيون نساء شابات يحاولن بالقلم والريشة واللون حمل رسالة النساء جميعاً، يحاولن أن يكن صدى للأصوات الغائبة، أو الأصوات العالية التي يتم إسكاتها.

ستنطلق حملة “مراياهنّ” هذا اليوم، وتستمر حتى يوم الاحتفال العالمي بالمرأة، برفقة خمس شابات لديهن ما يقلنه عن نساء عرفنهنّ وتركن أثراً في قلوبهن ولوحاتهن.

رافقونا في هذه الرحلة، وعرفونا أيضاً بنساء من حياتكم اليومية، نساء فعلوا أي شيء مهما كان بسيطاً، كي يكون المستقبل أسهل على بقيتهن، عرفونا بنساء كانوا “مرايا” وكونوا أنتم أيضاً “مراياهنّ”

الصورة من تصميم: مريم ميلاد

ندى غنام شابة سورية تعمل في مجال التصميم الفني، وتسعى لتثبت نفسها وتحقق استقلالها الاقتصادي من خلال عملها، سيما أنها تعتبر الاستقلال الاقتصادي أول وأهم خطوات الحصول على الحقوق، وامتلاك القرار.


اختارت #لجين_الهذلول ناشطة سعودية، ومدافعة عن حقوق النساء، لتكون المرأة المؤثرة ومرآتها التي تعكس قصتها في اليوم العالمي للمرأة، لأنها حسب وصفها: “امرأة قوية تحاول تغيير المجتمع لتحصل على حقوق أساسية مثلي ومثل كثيرات في هذا العالم.”
عام 2014 اعتقلت لجين الهذلول بعد محاولتها عبور الحدود بين الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية على متن سيارة كانت تقودها، للاحتجاج على قوانين تمنع النساء من قيادة السيارات، والتي تم إلغاءها لاحقاً.
عام 2016 وقعت لجين مع 14 ألف شخص على عريضة تطالب بإلغاء نظام ولاية الرجل على المرأة، ليتم اعتقالها من جديد دون ذكر الأسباب، ثم إطلاق سراحها.
عام 2018 تم اعتقالها في دبي ورُحلت إلى السعودية حيث أودعت السجن وبقيت فيه 1001 يوم قبل أن يتم إطلاق سراحها الشهر الماضي، مع منعها من السفر.
فخورون بلجين التي دفعت حريتها وأياماً طويلة من عمرها ثمناً لحقوقها، وحقوق كل النساء، لأن ما تناضل من أجله كل امرأة سينعكس لا محالة على كل النساء.

الصورة من تصميم: ندى غنام

مروى ملحم قاصّة سورية، اختارت امرأة تعرفها لتكتب قصتها، وتكون مرآتها هذا العام.. فكتبت:

لم تشفع لها سنوات الدراسة على ضوء الشمعة في كلية الهندسة المدنية بدمشق، أو السفر على الطرقات الماطرة ثلاثمائة كيلو متر كل نهاية أسبوع، كي تجد وقتاً لتدريس إخوتها الصغار، فلا تبقى الجامعية الوحيدة في العائلة، لم يشفع لها ركضها الصباحي وراء المواصلات كي تصل إلى المديرية في الوقت المحدد، صداقتها مع جميع من في المديرية من البواب إلى المدير، معرفتهم بها منذ أن وطئت بقدمها باب المؤسسة الحكومية كمهندسة حديثة التعيين، وحتى تسلمت أرفع منصب فيها.

لم يشفع لها شيء من خبرتها وسعيها وانضباطها وأمانتها الوظيفية، فما إن وضعت هيام جسدها صغير الحجم في كرسي الإدارة، حتى تغيرت الوجوه من حولها، والأصوات من خلف ظهرها، والنوايا التي تطرق باب مكتبها.لم يكن أمراً هيناً ولا معتاداً لدى الموظفين، الرجال والنساء، أن ترأسهم امرأة، وكانت تشعر بتبرمهم وضيقهم منذ أن كانت رئيسة للقسم فقط، لكن حين تم إحداث مديرية كاملة بدلاً عن القسم، وإبقاؤها على رأسه، أصبحت تشعر بطرقات الغيظ واللؤم في كل خطوة يخطونها، إلى هذه الدرجة كان صعب الهضم على موظفي التعاون السكني، وأؤكد على أنهم الرجال والنساء، كانوا بالقدر ذاته يستصعبون العمل تحت إشرافها.

كانت امرأة فائقة الجدية، تملك نبرة صوت مرتفعة، حادة في نقاشاتها، وكان لها رؤيتها الخاصة للحياة، رؤية تترجمها في آراء سياسية جامحة بالنسبة لمحيطها، مواقف دينية خارجة تماماً عن المعتاد، ملابس تندرج جميعها تحت ذوق وطابع واضح ومفهوم لكنه خاص بها وحدها، حتى نوع سجائرها، طريقة تدخينها، كانت تخصها وحدها. بالنسبة للرجال، كانت امرأة غير معقولة، كان يمكن وصفها بأنها خارج الإطار لو لم يكن الوصف ذاته قد أصبح داخل الإطار من كثرة تكراره، لكن يمكن القول أنها شكلت تحدياً صعباً، إذ لم يكن انتقادها سهلاً، الطعن في عملها يكاد يكون مستحيلاً، النبش في أخطائها سيقود إلى جدالات مطولة ستخرج منها منتصرة على الأرجح، وكانت ربما قد بقيت شعرة واحدة تفصلهم عن الاعتراف بأن مشكلتهم معها ليست إلا كونها امرأة.أما من جانب زميلاتها النساء، ربما كان الأمر أعقد، كانت نظرتهم إليهم مزيجاً من الإعجاب المنكر والحسد، وبعض الضغينة القادمة من تحقيقها ما ظنوه مستحيلاً، دون نسيان فكرة أنهم قد اعتادوا تلقي التوجيهات والعمل تحت إدارة الرجال، في العمل وفي حياتهم اليومية، أما أن تكون مديرتهم امرأة أخرى، فكان في الأمر ندية لا تحتمل، ندية غير موضوعية إذا ما نظر إليها من الخارج، لأنها تنسف من الأساس مسألة الاستحقاق، والجدارة التي أثبتتها هيام عاماً بعد عام.

كانت رحلة عملها أشبه بساحة المعركة، طرطوس المدينة الساحلية الهادئة غرزت سهاماً في قلبها، حربٌ على جبهة المجتمع والزملاء الذين انقلبوا أعداء فجأة، وحرب على ساحة الفساد والأوراق المطوية في الأدراج، والتي اضطرت لفتحها حين مرت تحت يدها، حرب على الهواتف، أتذكر أنها روت لي محادثات طويلة خاضتها من وراء السماعة مع رجالٍ ترتفع رتبهم هاتفاً وراء هاتف، ضاغطين نحو تسيير كل المعاملات والعقود كما يحلو لهم، أتذكرها صاحية طول الليل تدقق ملفات وتراجع عقوداً، وكثيراً ما انتهت معاركها بسماعها جملة “إنه مكان لا يصلح لامرأة”.

لم تنفذ أساليب محاربتهم لها، وطبعاً مرت على سيرة حياتها تجربة اتهامها بالغرف المغلقة، وما وراء الأبواب، الشرف اللعبة التي إما أن يبدأ المجتمع بها، أو ينتهي إليها.

طلبت إعفاءها مرتين، أرادت أن تستسلم على جبهة وتنتقل إلى أخرى، للأسف، كنت احلم أن أقول أن الخير انتصر وأنها استطاعت إلى الأبد محاربتهم، لكن ذلك لم يحصل، قد تكون هي انتصرت، لأن الحل الوحيد لإنهائها كان ترقيتها إلى منصب أرفع في مكان آخر، تكون فيه أقل إثارة للانتباه.حين استرخت أخيراً على مكتبها الجديد في دمشق، قالت لي إنها لم تحزن يوماً من التشكيك الدائم بعملها، ولا من تدخل كل الرؤوس في أوراقها، ولا من العجز الذي شعرت به في لحظات كثيرة، لكنها حزنت مراراً من النساء الذين وقفن ضدها، مصدقات فعلاً أن لا مكان لامرأة على كرسي القيادة، وأنهن-لخللٍ في تركيبتهن الأصلية- قاصرات، وأن التنمر على امرأة في مواضع كثيرة، أو اتهامها جزافاً بسمعتها، قادر على إيقافها، لكن علينا أن نعمل لأجل شيء واحد، أن نزع الخوف من قلوبنا، وحينها لا نعجز عن تحقيق شيء ولو كان قطف النجوم.

الصورة من تصميم: رؤى كيلاني

مريم ميلاد شابة سورية تعمل في مجال التصميم الفني، واجهت تحديات وصعوبات عديدة في العمل والدراسة، فكانت هذه المرأة التي اختارتها مريم كأنها تهمس لها بنجاحاتها وإنجازاتها: لست وحدكِ.

اختارت #زها_حديد وهي مهندسة معمارية عراقية، تعتبر أحد رواد فن العمارة المعاصر، نالت العديد من الجوائز الرفيعة والميداليات والألقاب الشرفية في فنون العمارة، وكانت من أوائل النساء اللواتي حصلن على جائزة بريتزكر في الهندسة المعمارية عام 2004، وهي تعادل في قيمتها جائزة نوبل في الهندسة؛ وجائزة ستيرلينج في منا سبتين؛ وحازت وسام الإمبراطورية البريطانية والوسام الإمبراطوري الياباني عام 2012. وحازت على الميدالية الذهبية الملكية ضمن جائزة ريبا للفنون الهندسية عام 2016، لتصبح أول امرأة تحظى بها.وصفَت زها حديد بأنها أقوى مُهندسة في العالم.

الصورة من تصميم: مريم ميلاد
الصورة من تصميم: رؤى كيلاني

رؤى كيلاني شابة فلسطينية سورية تعمل في مجال التصميم الفني والإخراج، اختارت أن يكون عملها مرآة تعكس قصة شابة تتحدى كل يوم نظرات الاستغراب وعبارات الاستهجان في طريقها إلى العمل.

جنان أبو الجدايل شابة نعرفها تقود “موتور كهربائي” لمسافات طويلة بين جرمانا ودمشق، بشجاعة وإصرار، في مساهمة منها لتغيير الصور النمطية، والأدوار المفروضة على النساء.

لوحة: نادين عبيد

نادين عبيد رسامة سورية، وخريجة كلية الفنون الجميلة بدمشق، اختارت أن تكون بريشتها مرآة لامرأة صادفتها في أحد الأيام.

المرأة عاملة في أحد معامل الرخام، تتحدى صعوبات عمل شاق على الرجال والنساء على حد سواء، لتؤمن لنفسها حياة ربما لم تتمناها على هذا الشكل أو لم تحلم بها.
المرأة أيضاً تكون مرآة لنساء أخريات يعانين من ظروف عملهن، أو بيئات غير مناسبة، أو أحلام غير متحققة.
تقول نادين أنها وأثناء بحثها عن طبيعة عمل النساء في معامل الرخام اكتشفت أن المرأة التي صادفتها ليست الوحيدة، “قرأتُ عن سيدتين مصريتين تعملان أيضاً في معامل رخام”.
فخورون بكل النساء اللاتي يناضلن لأجل استقلالهن واستمرارهن، بكل النساء اللاتي نعرفهن، واللاتي لا نفعل.

في يوم المرأة نتمنى لنساء العالم مزيداً من القوة والتضامن، مزيداً من الوقوف جنباً إلى جنب، إيماناً أكثر بأن طريقنا إلى انتزاع الحقوق مزروع بألغام “المرأة عدو المرأة”، ولهذا رافقتكم/ن نسيج منذ بداية الشهر بحملة “مراياهن” التي أردناها أن تقول أن كل امرأة هي انعكاس للأخرى، كل إنجاز نصنعه يمهد للأخريات من بناتنا وأخواتنا ورفيقاتنا غداً أكثر أماناً، أن الفن لن يسير هكذا دون رسالة وقضية، وأن كل امرأة موهوبة حملت قلماً أو ريشة، تأمل أن تكون صوتاً لغيرها.
تهنئة كبيرة تقدمها نسيج للشابات اللواتي شاركن في الحملة، وللنساء اللواتي كن رموزاً في الخلفية للقصص التي رويناها، ودائماً لجميع النساء في كل مكان في العالم ولنضالهن اليومي المستمر بلا انقطاع، والذي يقطف الأمل من كل تفاصيل الحياة بمستقبل لا خوف فيه.

الصورة من تصميم ندى غنام