ما هي القيم؟

كثيراً ما تتردد هذه الكلمة في الأدبيات والشروحات النظرية والتعريفات التي تشرح خصائص ومعالم مفهوم سياسي أو اجتماعي أو غيره، ويتم التفريق بين القيم والمبادئ والعناصر وغيرها من المكونات التي تشكل مجتمعة ملامح المفهوم ورسائله الأخلاقية المثالية.

والقيم في مفهومها المجرد بحد ذاتها هي مجموعة من المحددات المثالية التي يتوجب السعي الدائم لتحقيقها والحفاظ عليها، وهي قواعد إنسانية وأخلاقية يتم القياس عليها وتوجيه السلوك والعمل على أساسها.

أي باختصار القيم هي مفاهيم مثالية ومثل عليا يتم تحديدها حسب المجالات المختلفة والالتزام بتحقيقها، مثلاً في العقد الإجتماعي بين المواطنين والحاكم هناك قيمة أساسية يجب تحققها هي “العدل”، و”العدل” هو مفهوم مجرد ومطلق لكنه يشكل قيمة عليا ذات أهمية ومكانة أخلاقية يعتبر تحققها أمراً إيجابياً وفي مصلحة المجتمع.

هناك عدة خصائص للقيم منها كونها متغيرة ارتباطاً بالبيئة والإنسان والمرحلة التاريخية والمسائل الأخلاقية التي تسعى لتحديدها (مثلاً قيمة المساواة متجدددة وتدخل فيها معطيات جديدة مع تقدم الزمن) وكذلك كونها نسبية وجدلية (مثل قيمة الشرف أو الصدق) ومتنوعة بحسب الحاجات (قيم التكافل والتضامن)، وهناك عدة أنواع للقيم منها القيم النظرية والقيم الاجتماعية والاقتصادية والجمالية والسياسية.

في السياسة وعلم الاجتماع نال مفهوم القيم اهتماماً واسعاً من الفلاسفة والمفكرين القدماء على اعتبارها تمثيلاً للخير أو الخير الأسمى أو الكمال، واعتبرت القيم السياسية أشبه بقانون أو دستور يتصف بشيء من الاستدامة على مدار الزمن، وفي السياسة تعبر القيم عن الخصائص الحضارية التابعة للمرحلة التاريخية.

أما أهم ما نود الإضاءة عليه فهي القيم المدنية، وهي القيم والاتجاهات الحاكمة للمواطنة كسلوك داخل المجتمع المدني،
وهي انعكاس لطبيعة الوجود الاجتماعي للأفراد والمجموعات فى مرحلة تاريخية معينة (تغير الزمن والبيئة والبلد يمكن أن يغير من القيم وأشكال تطبيقها وأولويتها)، وداخل تكوين اجتماعي وسياسي واقتصادي محدد، ومن أشهر القيم المدنية والسياسية والإنسانية التي نسعى لتحقيقها في مجتمعاتنا: المساواة والحرية والعدل والديمقراطية والتشاركية والمسؤولية. وتطبيق هذه القيم يتطلب علاقة مواطنة صحيحة بين المواطنين والبلد وفي حالة تكامل مع القوانين والحكام والمسؤولين عن تطبيق القوانين وجميع الجهات الرسمية وغير الرسمية في البلد.

ومن هنا يصبح التساؤل مشروعاً هل حقوق الإنسان تبنى على القيم السامية أم كاستجابة للكوارث التي يخلفها أو يصنعها البشر؟

لا يخفى على أحد أن قيم المجتمعات مرتبطة بتطورها والانعكاسات القانونية لهذا التطور -جدلية القانون والمجتمع- والذي يحول هذه القيم من عرف مجتمعي إلى عرف قانوني إلى قانون، وهنا نتحدث عن أبسط الأشكال.

وبالمقابل أيضاً هناك حالات التطور المعاكس التي يلعب فيها القانون دور غارس القيمة الاجتماعية، هذا في حال كانت دولة أو مقاطعة، وإذا قمنا بتوسيع نطاق الرؤية ستختلف العلاقة قليلاً أو تصبح أكثر تعقيداً فمن الناحية النظرية تصبح الموضوعة مرتبطة بعلاقات المجتمعات وعلاقات الدول القادرة على تحويل القيم إلى قوانين، ونقول أحياناً إن بعض القيم المقننة التي تمتلكها إحدى المجتمعات لعرف دولي من الممكن أن تتطور لاتفاقية أو تصبح جزءاً من القانون الدولي.

وللوهلة الأولى يظهر القانون الدولي والشرعة والاتفاقيات كمنتوج للحضارة الإنسانية يسعى ويساهم في رفع السويات القيمية للمجتمعات كافة ويدفع ويحث الدول -كممثل للمجتمع- للالتزام بها ويجبر أحياناً أخرى الدول على الالتزام بها.
وهذا نصف الحقيقة حيث أنه وبمراجعة تاريخية لتطور الاتفاقيات والعهود الدولية نلاحظ ارتباطها بالكوارث فاتفاقيات مناهضة العنف والتعذيب وغيره من الروادع القانونية الدولية أتت دائماً متأخرة ومبنية على كارثة من نوع القرار ودوماً تأتي القرارات متأخرة.

ومن هنا يصبح التساؤل مشروعاً هل حقوق الإنسان تبنى على القيم السامية أم كاستجابة للكوارث التي يخلفها أو يصنعها البشر؟

تبنى القيم السامية للمجتمعات -سواء المجتمع كمطور للقانون أو القانون كغارس للقيم- على النتاج الفكري الفلسفي وتطور النظريات الفلسفية للقضايا محلياً، وبشكل أوسع مع تطور أدوات التواصل والانترنت -على افتراض أن النتاجات الفلسفية الحالية مهمة-.

وتفتقر اليوم منظومة حقوق الإنسان للمرونة والسرعة الكافية التي تخولها أن تستبق الأحداث أو أن تقوم بتطوير حقوق الإنسان بشكل يسبق التطورات فمرحلة انتظار كارثة إنسانية جديدة لتطوير ما لم تلحظه المنظومة كارثة ثقيلة أخرى على المجتمعات.

بأول مرة منتعرف فيها على مصطلح حقوق الإنسان، أكيد بيخطرلنا نسأل حالنا، من وين إجت هي الحقوق؟ مين حددها ومين أقرها؟ وعلى شو قائمة؟ وقبل ما نقدر نعبر تماماً باستخدام كلمة “قيم”، منفكر إنو حقوق الإنسان لازم تكون بتراعي الخير والصواب، وهدفها الأساسي تصون حياة الإنسان الكريمة، والحياة الكريمة أول قيمة بتحملها هيي الكرامة، وتاني شي بتسعى لتحقيقه هو المساواة بين البشر، المساواة من أعلى وأهم قيم حقوق الإنسان.تاريخياً، أثارت مسألة ارتباط حقوق الإنسان بالقيم التقليدية جدل كبير وخاصة بالدول المتقدمة، والسؤال المتجدد كان شو هيي القيم اللي بتصلح إنو تتحمل عليها حقوق الإنسان؟ خاصة إنو القيم هي بداية الطريق قبل ما تتحول لأعراف وبعدها لقوانين، هل القيم اللي بيولدها المجتمع من عاداته كافية وصحيحة لتكون شريعة حقوق الإنسان؟ ولا المجتمع ظالم وقاصر بحالات كتير؟ هل القيم “الدينية” قادرة تبت بأحقية أو عدم أحقية الإنسان بموقف ما؟ أم إنها بتنطوي على جدليات فلسفية كتيرة ومتغيرة مع الزمن؟في دول كتير بتتذرع بالقيم المجتمعية لحرمان بعض فئات مواطنيها من حقوقهم وخاصة النساء أو الأقليات (دينية، عرقية.. إلخ)، في دول بتنطلق فيها حركات “ثقافية” معادية لحقوق بعض الفئات أيضاً بسبب القيم او التقاليد المجتمعية الموروثة، وهاد كله على نطاق بسيط، قبل ما نوصل للتفكير بكيف القيم بتشكل علاقات الدول ببعضها، أو بتدخل بحروب، أو بتشكل مجالس دولية ومنظمات أممية لتسنّ وتشرّع حقوق البشر بكافة أنحاء العالم.الظاهر عموماً إنو حقوق الإنسان هي نتاج تراكمي للثقافة الإنسانية وعملية دائمة التطور مع تطور المجتمعات، واللي بيسلم بهاد الواقع بيعتبر إنو منقدر نقعد على جنب التاريخ وننتظر إنو مسيرة حياتنا بشكل أوتوماتيكي تغير وتطالب بحقوقنا الناقصة وتحمي النساء والأطفال والأقليات المظلومة وتوقف التعذيب بالسجون وتحاكم الأنظمة وتحارب الفقر والتمييز العنصري، لكن الحقيقة والواقع بتقول إنو التغيير بحقوق الإنسان عبر التاريخ ما صار إلا بعد كوارث كبيرة (فضح معتقلات متل غوانتانامو أو غيرها) أو ثورات (الثورة الفرنسية) أو حركات تحررية ضخمة (الحركة النسوية أو انتفاضة ذوي البشرة السوداء بأميركا) وغيرها.لهيك منعتبر إنو تحرك القيم بطيء، والمفروض حقوق الإنسان تكون أسرع وأكثر مرونة وأكثر عمق بقراءة المجتمعات والإنسان الفرد، والقيم بمفاهيمها الواسعة عم تكون فضفاضة وغير قادرة على ضبط الحقوق ومفهوم الحق بحد ذاته، وهي مهمة المجتمع المدني بكل زمن وبكل بلد، إنو يربط القيم بالحقوق بشكل دقيق ومتوازن.